**ى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟ **الجزء التاني**
كاتب الموضوع
رسالة
CHERY_LOVE
عدد الرسائل : 77 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 09/06/2007
موضوع: **ى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟ **الجزء التاني** الثلاثاء يونيو 12, 2007 6:59 am
ومما يزيدنا يقيناً بأهميّة الدعوة في المجال الطّبي و أن المستشفيات أرض خصبة للدعوة ما للطب من علاقة جذرية بحياة الناس ، فمن من الناس لا يمرض ولا يعتل ؟ ، ومَنْ مِنَ الناس لا يعتري صحته سقم ولا نصب ؟ ، فكل الناس كذلك – إلاّ من شاء الله – لذا ترى الناس يهرعون إلى طلب الاستطباب طمعاً في الشفاء ، ويتحملون في ذلك الغالي والنفيس ، وكل ذلك يهون أمام نعمة الصحة والعافية (6) .و قد عرف أعداؤنا ذلك و وظّفوه خير التوظيف ، فلا يصيب بلدٌ كارثةٌ ولا نازلة إلا ويهرع أطباء الصليب، يعطون الدواء بيد، والصليب باليد الأخرى.
هذه مشكلتنا
عندما يقلّب المرء نظره في مستشفياتنا ومراكزنا الصحيّة، و يتأمّل واقع العمل الصحيّ اليوم، يرتدّ إليه بصره حسيراً ، لا لقصورٍ في العمل التقني، ولا في التجهيزات ذات المستوى التقنّي المتقدّم، ولا في الكوادر المؤهّلة تأهيلاً متميّزاً ؛ بل لقصورٍ مخلّ في أساس العمل الطبّي لدينا ، في الخلفية التي نعمل من خلالها، في الكيفية التي نبرمج بها أنظمتنا. بدايةً من التخطيط لبناء أيّ مستشفى في بلدٍ إسلامي، أين التفكير المبكّر في وضع تصميم يُراعى فيه الفصل بين النّساء والرجال، أماكن الصلاة و ما إلى ذلك . مروراً باختيار العاملين واستقدامهم من بلدان كافرة ، انتهاءً إلى عدم وضع تصحيح جذري لوضع الكليّات الطبيّة لدينا و إعادة تأهيلها شرعياً لتصبح كليّات طبيّة إسلاميّة. وبين كل ذلك معاناة المجال الصحي الرئيسية وأساس المشاكل ، الاختلاط.
مشكلتنا الأساسية اليوم أننا ورثنا الطب من الأسلوب الغربي شئنا أم أبينا، هذا الأسلوب الغربي الذي صرنا نقلّده تقليداً كاملاً في أسلوب التدريس وطريقته، وفي طبيعة ما يدرّس ، ثم في طريقة التطبيق العمليّ، والتخصص بعد ذلك ، حتى في كيفية فحص المرضى . الغرب له خلفيته الثقافية والعقدية التي يرى من خلالها القضايا، ونحن لنا عقائدنا وديننا ومفهومنا المستقل وإدراك ذلك يقودنا إلى إصلاح الأصل والأساس. لماذا يجب على طالب الطب – مثلاً – أن يولّد نسوة ويتجاوز الشرع والأحكام؟!..، هل لأن جورج وسميث أقرّا ذلك..؟!! (7).
الإسلام يرفض ذلك النمط من الطب والأطباء المتقوقع داخل ذاته ، لا يعلم من أمر الدنيا إلا القليل ، ولا يعلم من أمر دينه غير الأقل ، ولقد اكتسبنا هذا النمط من الطب والأطباء من الطب الغربي الحديث الذي يزداد تقوقعاً وتجزءاً كلما تقدم في العلم. وكلنا يعرف كيف كان حال الطبيب في تاريخنا الإسلامي، وكيف كانت مساحة المعرفة بين علمه وفنه التقني ، وبين مجالات الثقافة الواسعة والوعي الإسلامي الصحيح فالتكامل والشمول صفتان منبثقتان انبثاقاً مباشراً من الإسلام وهما ملازمتان لشخصية المسلم الصحيح فهما في الطب ألزم ، لأن مهمة الطب والطبيب هي المشاركة الفعالة في إيجاد الإنسان الصحيح ، سواء بعلاج المرض أو تفادي وقوعه ، علاجاً لا يعتمد فقط على التحديد القاصر لمفهوم الصحة والمرض في العلم المادي ، ولكن بمعناها الشامل المتكامل كما يبدو من خلال المفهوم الإسلامي . وإذا تيقن الطبيب المسلم أن "الاستواء الصحي" بمعناه الواسع الذي يستوعب حياة الإنسان بكاملها : جسماً وعقلاً وروحاً ، وخلقاً وسلوكاً ، فطرةً واكتساباً، وهو "سلامة وصحة" ذات مفهوم تعجز كل النظم الأخرى عن استيعاب جوانبه فضلا عن محاكاته وبه تصلح حياة الفرد الإنسانية ، ومن ثم حياة المجتمع البشري ؛ فإنه يستطيع أن ينشئ طباً يكون فتحاً في عالم الطب ، ونوراً يهدي إلى البشرية التي تتخبطها ظلمات الحياة رغم منجزات العلم الهائلة(.
فحريّ بالطبيب وطالب الطب بعد أن أدرك هذه الحقائق أن يسعى جادّاً لتطوير ذاته، و بنائها بناءً متكاملاً، لا يتعلّم الطب فقط ؛ بل أخلاقيات الطب وآداب الطبيب و ما يحتاج إليه من زادٍ شرعي كفردٍ مسْلِم. لا يلبس المعطف الأبيض فينفصل عن كل ما ليس له علاقة بالطب في نظره، بل عليه أن يكون بردائه الأبيض الطبيب والمربّي والداعية المصْلِح الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر، فالطب والدّعوة قرينان، وليس النصراني أولى منه بذلك.
الطبيب الداعية : طبيبٌ مسْلِم أم مسلمٌ طبيب..؟
أول ما يتميز به الطبيب الداعية أن يكون مسلماً طبيباً لا طبيباً مسلماً فحسب ، يعني قبل كل شيء أن يكون هدفه الأول هو الإسلام ، وأما الطب فهو وسيلة لخدمة هذا الهدف أولاً ، ثم لكسب عيشه في حياته الدنيا ثانياًً ، مدركاً بذلك قوله تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلالِيَعْبُدُونِ)) (الذريات:56) (9).
إن تعبير" المسلم الطبيب " يعني بالضرورة أن يكون هذا الطبيب قدوة صحيحة ممثلة للإسلام خير تمثيل بواقعه كله ، فما أسوأ أن ينفصل القول عن العمل ، والواقع عن المثال ، وما أخطر النتائج التي تترتب على مثل هذا الانفصال ، في الدنيا على مرضاه وتلاميذه ومعاونيه في العمل ، وفي الآخرة حيث يكون المقت الشديد عند الله (10).
فالمسلم الطبيب هو حقيقةً داعية إلى الله عز وجل بالدرجة الأولى وإن المجال الذي يعمل فيه الطبيب المسلم يؤهله للقيام بدور كبير في الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تصحيح واقع كثير من الناس (11) .
إن الدعوة إلى الله تحتاج إلى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها . وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة إلى الله وفق منهج الله الذي شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى : ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (الأنبياء:7) ، ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص (12).
ما هي الفرصة الذهبية للطبيب المسلم..؟
في قصّة أصحاب الأخدود، يمرّ بنا الغلام الذي جعل الله له شيئاً من الخصائص، فقد كان – بقدرة الله - يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، و كان لا يعالج أحداً حتى يقول له إذا آمنت بالله تعالى ودخلت دين الإسلام فإني أدعو الله لك فيبرئك فيؤمن وزير الملك الذي كان أعمى ويؤمن به أقوام ثم يقدّم حياته رخيصة لإعلاء كلمة الله وتسلم القرية بل المدينة بأكملها بسبب هذا الطبيب المسلم الذي استغلّ مهنة الطب في الدعوة إلى الله تعالى.
والداعية إلى الله عموماً في المجتمع قد يصَادف بصدود كبير وبمقاومات عنيفة وعوامل كثيرة تجعله لا يستطيع أن يوصل ما يريد إيصاله من الأفكار الإسلامية للناس ، ولكن الطبيب عنده فرصة ذهبية لا تكاد توجد لغيره فهو يتعامل مع الشخص في حالة ضعف ، والشخص عندما يكون مريضاً أو على وشك الموت فإنه يكون في حالة من التقبّل لتقوية صلته بالله أكثر من أي شخص آخر، وهنا تبرز قضية الجانب الإيجابي الذي يتمتع به كثير من الأطباء والذي لا يوجد لغيرهم من المسلمين الذين يعتنون بالدعوة إلى الله في أماكن أخرى (13). من أين نبدأ إعداد الطبيب الداعية..؟
من كليّات الطب يبدأ الإعداد، والإعداد نقصد به الإعداد العلميّ الطبيّ والإعداد الدّعوي الديني، أما الأول فكليّاتنا الطبيّة من أحرص المدارس الطبيّة عليه، وأما الإعداد الدّعوي الديني فنقصد به ذلك الإعداد الذي يؤهل طالب الطب ليكون طبيباً داعية، بل داعية وهو على مقاعد الدراسة في كلية الطب ، أن يكون مدركاً لحقائق الإسلام ، عقيدة وشريعةً ، خلقاً وسلوكاً وغايةً، لا تكون حماسته للعمل الدعوي مجرد شعلة و تنطفئ أو عواطف مشبوبة لا تؤدي دوراً إيجابياً في واقع الحياة ، وإنما يكون مطلعاً على آفاق المعركة الدائرة بين الحق والباطل ، بين الإسلام وأعدائه، أن يكون إنساناً مسلماً تنطق أفعاله وأقواله بخلق الإسلام .
أساتذة كليات الطب والمشرفون على شؤونها الأكاديمية
لابدّ أن يكون الأساتذة في كليّة الطب قدوة لطلابهم وطالباتهم في تمثيل الإسلام والدعوة خير تمثيل، يتعلمون منهم الاستئذان والدعاء للمريض والرّفق به ومراعاة شعوره، يتعلّمون منهم أن يسألوا المريض عن حاله مع الطهارة والصلاة، يتعلمون منهم أن يكون مشاعل خير تربط بين الطب والدعوة في كل درس ، وأمام كل مريض، وعند كل لقاء، يتعلمون منهم أن الضرورات تقدّر بقدرها، فلا كشفٌ جائرٌ للعورة، يتعلمون منهم ترديد النداء عند الأذان والمسارعة لأداء الصلاة جماعة في وقتها، يتعلمون منهم غضّ البصر والتخلّق بخلق الحياء، يتعلّمون منهم اللين والسماحة في المعاملة والابتسامة والرفق والبشاشة.
ويعلم الطلبة تماماً أثر تصرّفات الأساتذة سلبية كانت أم إيجابية في أنفسهم، إنه أثرٌ عظيمٌ جداً ، يصبح مادةً لحديثهم أيّاماً، ويذكرونه ولو بعد حين ، فليعي الأساتذة ذلك وليكونوا قدوةً حسنة فقد يعالجون مريضاً واحداً، وبتخريجهم هؤلاء الأطباء يعالجون أضعافاً مضاعفة ، فليسنّوا سنناً حسنة ليكون لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
والكلمات من الأساتذة تقع من الطلاب والطالبات موقعاً عظيماً، فما أجمل أن يعلم الأساتذة طلبتهم شعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فكم أثّرت كلماتُ أستاذٍ في نفسِ طالبةٍ متبرّجة ، وكم أثّرت في طالبٍ مدخّن، وآخرَ مفرّط في الصلاة أو إطلاق النّظرات.
وكم من أستاذٍ أضاف إلى طالبه وطالبته الجرأة في الحق ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فهذّب حماسهم و سدّد اندفاعهم و وازن على طريق الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطاهم ، و كان خير عونٍ لهم في التعامل مع ما يعترض طريقهم من مواقف ومنكرات.
لابدّ أن ينبّه الأساتذة طلبتهم إلى أننا ورثنا الطب عن الغرب بإيجابياته ومساوئه، وأننا يجب أن نسعى جاهدين لأسلمة الطب ، وأن يكون العمل الطبي ضمن رؤية إسلامية. ينبغي للأستاذ أن يعمّق هذه القضية في نفوس طلبته حتى يكبر الطالب و هو يحمل هدفاً وغاية، تحمله إلى الإخلاص والإتقان في طلب علم الطب وفي الوقت ذاته تحمله إلى الإبداع والانفصال عن المؤسسات الغربية، فيكون له تفكيره ونمطه الإبداعي الذي يناسب قيمه وشريعته الغرّاء، حتى ننجوا من التقليد والتبعية المقيتة والإعجاب بالنموذج الغربي . فليعلّم الأساتذة طلبتهم الثقة بالنّفس والاعتداد بشخصيّة الفرد المسلم ، كما قال الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله – في ذكرياته : (( عندنا أطباء وعندنا مستشفيات وعندنا تجهيزات ووسائل للشفاء ، كل هذا عندنا ولكن ليست عندنا الثقة بأنفسنا . فإذا وثقنا بأنفسنا وأطبائنا وراجع الأطباء أنفسهم فنزهوها عن عيوبها واستكملوا فضائلها لم نحتج معهم إلى غيرهم (14))) .
**ى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟ **الجزء التاني**